رواية جزيرة الظل - الفصل الثاني
جزيرة الظل 2
2025, أدهم يوسف
البقاء
مجانا
هذا الفصل يعرض مرحلة حاسمة في رحلة هيرمان داخل الجزيرة المظلمة والغامضة. بعد دخولها الكهف واكتشاف الرموز القديمة والأصوات الغريبة، تبدأ هيرمان في الغوص أعمق في أسرار الجزيرة. تجد نفسها بين شكوك وأفكار متشابكة حول معاني ما رأته، وأسرار الغابة والشجرة المقدسة التي اكتشفتها. يظهر في هذا الفصل التوتر الداخلي لهيرمان بين رغبتها في فهم ما يحدث وبين الخوف من المجهول.
هيرمان
شابة قوية الإرادة تجد نفسها على جزيرة مجهولة مليئة بالغموض والتحديات. تتطور من مجرد فتاة تسعى للبقاء إلى جزء من حياة القرية البدائية التي تسكنها.الرجل الغامض
رجل من أهل القرية، يختلف عن باقي السكان في مظهره وطريقة تصرفه. لديه سمات بدائية جدًا، لكنه يحمل في نظرته شيئًا غامضًاالأم
مرأة مسنة من سكان القرية، تحمل الكثير من الحكمة والأسرار، وتلعب دور المرشد لهيرمان.
استيقظت هيرمان في صباح بدا مختلفًا بطريقة ما. كان الهواء مشبعًا برائحة الطبيعة، لكنه حمل شعورًا غريبًا، كأن الجزيرة تهمس لها بشيء غير مفهوم. خرجت من كوخها لتجد "الأم" جالسة بالقرب من النار، تحدق في الأفق بصمت غريب. عندما اقتربت وجلست بجانبها، رفعت المرأة المسنة يدها وأشارت نحو الغابة، ثم وضعت يدها على قلبها وغمغمت بكلمات لم تفهمها هيرمان. كان في عينيها شيء مقلق، مزيج من الحزن والتحذير. شعرت هيرمان بأن عليها التحرك، أن تشغل عقلها بأي شيء كي لا تغرق في هذا الإحساس الغامض الذي يحيط بالجزيرة. انضمت إلى الرجال في رحلة الصيد، محاولة أن تتعلم منهم المزيد عن كيفية العيش في هذا العالم الغريب. كانت تراقب حركاتهم، كيف يتوقفون فجأة عند سماع صوت معين، أو يتجهون نحو الأشجار بحذر وكأنهم يحاورون الطبيعة نفسها. بينما كانت تحاول تقليدهم، سمعت صوتًا خافتًا يشبه همس الرياح. توقفت عن المشي، مترددة للحظة، لكن الصوت استمر. بدا وكأنه يناديها، ينطلق من أعماق الغابة. تراجعت قليلاً عن المجموعة، تنصت بتركيز، قبل أن تقرر تتبع الصوت بحذر. كلما اقتربت من مصدر الصوت، شعرت بأن البرودة تزداد، رغم أن الشمس كانت مشرقة. لم تستطع تجاهل هذا الشعور الذي جعل قلبها ينبض بقوة. وبينما كانت تمشي بين الأشجار الكثيفة، وجدت نفسها أمام مشهد غريب: مجموعة من الحجارة الضخمة المرتبة بدقة في دائرة، وكأنها آثار لحضارة قديمة. النقوش التي كانت محفورة على الحجارة بدت مألوفة. إنها تشبه تمامًا تلك التي رأتها على الشجرة المقدسة. لم تستطع منع نفسها من لمس الحجارة، محاولة أن تشعر بالطاقة التي بدت وكأنها تنبعث منها. كان هناك شيء في هذا المكان يبعث على القلق، لكنه في الوقت نفسه يجذبها بقوة. عادت هيرمان إلى القرية وهي تفكر فيما رأته. عندما اقتربت من كوخ "الأم"، وجدت المسنة تنتظرها عند الباب. كانت عيناها تحملان نظرة غريبة، كأنها تعرف كل شيء. جلست هيرمان بجانبها وحاولت أن تشرح لها ما حدث، مستخدمة إشاراتها المعتادة. عندما أشارت إلى الحجارة والنقوش، بدت "الأم" قلقة. لم تقل المرأة المسنة شيئًا. بدلاً من ذلك، أمسكت بيد هيرمان بقوة وأشارت نحو الغابة، ثم رفعت يدها نحو السماء. كان التحذير واضحًا: لا تقتربي مجددًا. شعرت هيرمان بأن هناك شيئًا مهمًا تخفيه المرأة المسنة. رغم التحذير، كان فضولها أقوى من أن تتجاهله. في اليوم التالي، قررت العودة إلى الغابة، لكن هذه المرة كانت أكثر حذرًا. أخذت معها رمحها وبعض الأدوات البسيطة التي تعلمت صنعها. تحركت بهدوء بين الأشجار، مستمعة لكل صوت وكل حركة من حولها. عندما وصلت إلى الحجارة مرة أخرى، بدأت تفحص النقوش بدقة أكبر. كان هناك نمط معين، أشبه بخريطة أو تعليمات. وبينما كانت تركز على الرموز، سمعت صوتًا خلفها. استدارت بسرعة لترى رجلاً من القرية يقف هناك، ينظر إليها بحدة. كان وجهه خاليًا من التعبير، لكنه أشار إلى الحجارة ثم إلى الغابة، وكأنه يقول: "يجب أن تغادري". شعرت هيرمان بالارتباك، لكنها قررت أن تتبعه. لم يتحدث بكلمة، لكنه قادها عبر الغابة إلى منطقة لم ترها من قبل. كانت هناك شجرة ضخمة، أكبر من أي شجرة رأتها في حياتها، وتحتها فتحة تؤدي إلى كهف مظلم. أشار الرجل إلى الكهف ثم اختفى بين الأشجار قبل أن تتمكن من سؤاله عن أي شيء. وقفت هيرمان أمام الفتحة المظلمة، قلبها ينبض بعنف. كانت تعرف أن ما ينتظرها في الداخل قد يغير كل شيء، لكنه أيضًا قد يكون أكثر خطرًا مما تتخيل. أخذت نفسًا عميقًا، ممسكة برمحها، قبل أن تخطو داخل الظلام، تاركة وراءها الضوء وكل ما هو مألوف. بخطوات حذرة وبطيئة، تقدمت هيرمان نحو الكهف المظلم، وكل خطوة كانت تضاعف نبضات قلبها، وكأن الظلام أمامها حي، يتنفس ويراقب. الهواء داخل الكهف كان ثقيلاً، مزيجاً من رائحة التراب والرطوبة، مع نكهة خفية لشيء غريب، كأن المكان يخفي قصة قديمة محفورة في الصخر. عيناها أخذتا وقتاً للتأقلم مع العتمة، لكنها مع مرور الدقائق بدأت ترى التفاصيل. الجدران لم تكن عادية؛ كانت مغطاة بنقوش تشبه تلك التي رأتها على الحجارة في الغابة. رموز وأشكال بدت وكأنها تخبر قصة، لكنها لم تستطع فك شفرتها. كانت هناك صور لحيوانات، بشر في أوضاع غريبة، وأشجار ضخمة، لكن ما جذب انتباهها أكثر كان رسماً دائرياً كبيراً في قلب الجدار، يشبه قرص الشمس، تحيط به خطوط ملتوية كالأفاعي. لم يكن الكهف خالياً تماماً من الأصوات. كان هناك صوت قطرات ماء تتساقط من السقف لتصطدم بالأرضية الصخرية، لكنه لم يكن الصوت الوحيد. شعرت كأن هناك همسات، بعيدة وضعيفة، لكنها موجودة. توقفت لتستمع جيداً، محاولًة أن تفهم مصدرها، لكنها لم تسمع سوى كلمات غامضة وغير مفهومة، وكأنها صادرة من أعماق عقلها بدلاً من أن تكون في الهواء. أخذت تتعمق في الكهف، وكلما تقدمت أكثر، شعرت ببرودة تتسلل إلى عظامها. الأرض تحت قدميها أصبحت أكثر نعومة، كأنها تمشي على شيء غير صخري، لكنها لم تكن تريد أن تنظر لأسفل. استمرت حتى وصلت إلى مساحة واسعة مفتوحة داخل الكهف، كأنها قاعة طبيعية. في وسط القاعة، كان هناك شيء مختلف. دائرة محفورة في الأرض، تحتوي على نفس الرموز التي رأتها على الجدران. في منتصف الدائرة، كانت هناك قاعدة حجرية صغيرة، فوقها وعاء حجري ممتلئ بسائل أسود لامع. اقتربت بحذر، مشدودة بشيء لم تستطع مقاومته. عندما وصلت إلى حافة الدائرة، شعرت بوخزة باردة في جلدها، كأن الهواء حول الدائرة يحمل طاقة غريبة. نظرت إلى السائل في الوعاء، ورأت انعكاس وجهها. لكن في لحظة خاطفة، لم يكن انعكاسها فقط. رأت ظلاً خلفها، شيئاً يتحرك بسرعة، لكنها عندما التفتت لم تجد شيئاً. شعرت بالهلع للحظة، لكنها حاولت السيطرة على نفسها، تتنفس ببطء، تمسك برمحها وكأنها تتمسك بأمل النجاة. استمرت في تفحص الوعاء، حتى لاحظت أن الرموز المحفورة حول الدائرة بدأت تضيء بشكل خافت. لم يكن الضوء طبيعياً، بل بدا كأنه ينبعث من الداخل، من الحجر نفسه. وكأن الدائرة الحفرية استيقظت بوجودها. في تلك اللحظة، شعرت بتيار بارد يمر عبر جسدها، وكأن شيئاً يحاول التواصل معها. لم تستطع فهم ما كان يحدث، لكنها عرفت أن هذا المكان ليس عادياً، وأنه يحمل سر الجزيرة الأكبر. فجأة، شعرت بالأرض تحت قدميها تهتز قليلاً، ليس كزلزال، بل كأنها أنفاس الأرض نفسها. كانت الهزات خفيفة لكنها كافية لإثارة الرعب في قلبها. سمعت صوتاً قوياً ومفاجئاً خلفها، كأنه حجارة تسقط. التفت بسرعة لترى أن المدخل الذي دخلت منه قد أغلق بحجر ضخم. أدركت أنها أصبحت محاصرة في الداخل. حاولت أن تدفع الحجر، لكنه كان ثابتاً كأنه جزء من الكهف نفسه. حينها عادت الهمسات مرة أخرى، لكنها هذه المرة كانت أقرب وأكثر وضوحاً. "أنتِ هنا... أنتِ مختارة..." الكلمات جاءت بوضوح، لكنها لم تعرف اللغة، ومع ذلك فهمت المعنى. كان الصوت وكأنه يأتي من كل مكان حولها. بينما كانت تحاول التركيز على الكلمات الغامضة، شعرت بشيء يلمس يدها. التفتت بسرعة لترى ظلاً أشبه بيد تمتد نحوها من العدم. لم تكن يد بشرية، لكنها لم تبدُ معادية. بل كانت وكأنها تدعوها للاقتراب أكثر من الدائرة. رغم خوفها، شعرت بأنها بلا خيار. تقدمت خطوة بخطوة نحو المركز، حيث الوعاء الحجري. عندما مدت يدها لتلمس السائل الأسود، شعرت بشحنة كهربائية خفيفة تمر عبر أصابعها. فجأة، انفجر الضوء من الرموز المحيطة بها، ليملأ القاعة بالكامل. لم ترَ شيئاً بعدها سوى الظلام، لكن في أعماق عقلها، بدأت صور تظهر. صور لأشخاص غريبين، أماكن مدمرة، وحياة لم تكن تعرفها. كأن الجزيرة كانت تخبرها بقصتها، لكن بطريقة يصعب فهمها. عندما فتحت عينيها أخيراً، وجدت نفسها جالسة على الأرض داخل الكهف. الرموز توقفت عن التوهج، والوعاء اختفى. كان المكان هادئاً بشكل مرعب، لكنها شعرت بشيء مختلف داخلها. كأنها ليست نفس الشخص الذي دخل الكهف. نهضت ببطء، وبدأت تبحث عن مخرج آخر. لم يكن هناك طريق واضح، لكنها شعرت بشيء يقودها، كأن الغابة نفسها تحاول أن ترشدها. كان ذلك الشعور الغامض يزداد قوة، وكأنها أصبحت جزءاً من شيء أكبر مما تخيلت. مع كل خطوة تخطوها، كانت تعرف أن حياتها على الجزيرة لن تكون كما كانت من قبل. مع كل خطوة خارج الكهف، شعرت هيرمان كأنها تحمل على عاتقها عبئًا لم تدرك حجمه بعد. كانت الغابة تنتظرها، لكن هذه المرة بدت مختلفة. الأشجار التي كانت تشعر بأنها مجرد جزء من الطبيعة أصبحت وكأنها تراقبها بعناية. الرياح تحمل معها أصواتًا غريبة، وأحيانًا كأنها تنطق باسمها. عندما خرجت من الكهف، كان الليل قد حل، والجزيرة غارقة في الظلام. القمر بالكاد أضاء السماء، لكن عينيها شعرتا وكأنهما اعتادتا على الرؤية في الظلام. لاحظت أن هناك طريقًا جديدًا لم يكن موجودًا من قبل، مسارًا ضيقًا بين الأشجار وكأن الكهف قد أرشدها إليه. بدأت تسير ببطء، ممسكة برمحها بحذر. فجأة، سمعت حركة خلفها، خطوات سريعة كأنها تلاحقها. توقفت، تتنفس بهدوء، وحاولت أن تصغي. لكن كل شيء كان ساكنًا. التفتت ببطء، ولم تجد شيئًا سوى ظلال الأشجار المتمايلة. لكنها كانت متأكدة أن هناك شيئًا يتبعها. استمرت في السير، وأخيرًا وصلت إلى بقعة مفتوحة في قلب الغابة. كانت الأرض مغطاة بطبقة ناعمة من الحشائش الطويلة، وفي المنتصف شجرة ضخمة غير عادية. جذورها بارزة ومتداخلة بشكل معقد، وأوراقها تشبه الحرير في انعكاس ضوء القمر. لكن أكثر ما لفت انتباهها كان الضوء الباهت الذي يتسرب من بين أغصانها، وكأنه ينبض مثل نبضات قلب. اقتربت بحذر، عيناها مركزتان على الشجرة، وكأنها تخشى أن تتحرك فجأة. عندما لمست الجذع بأطراف أصابعها، شعرت بشحنة باردة تمر عبر جسدها، وكأنها تتصل مباشرة بروح الشجرة. فجأة، بدأت تسمع أصواتًا في عقلها، كلمات غير واضحة، لكن شعورها بأنها كانت ترى ذكريات المكان. رأت صورًا خاطفة لشعب يعيش على الجزيرة منذ آلاف السنين. كانوا يشبهون سكان القرية، لكنهم أكثر تطورًا، يرتدون أزياء مزخرفة ويؤدون طقوسًا حول الشجرة. ثم، فجأة، رأت النار. الجحيم يلتهم القرية القديمة، والصراخ يملأ الأرجاء. شعرت بالرعب وكأنها كانت تعيش اللحظة. أفاقت من تلك الرؤية وهي تتنفس بصعوبة. يدها لا تزال على الشجرة، لكن الضوء بدأ يخفت، وكأن الشجرة فقدت جزءًا من حياتها. لم تفهم ما حدث تمامًا، لكن عرفت أن هذه الشجرة لها علاقة وثيقة بأسرار الجزيرة وبمصيرها. بينما كانت تستعد للعودة إلى القرية، سمعت صوت خطوات سريعة وقوية تقترب منها. أمسكت برمحها بقوة، واستدارت لتواجه القادم. كان أحد رجال القرية، نفس الرجل الذي رأته قرب الكهف. وجهه هذه المرة كان يحمل تعبيرًا غريبًا، مزيجًا من الغضب والخوف. بدأ يتحدث بلغة غير مفهومة، لكن نبرة صوته كانت صارمة وكأنها تحذرها. أشار بيده إلى الشجرة ثم إلى الغابة، كأنه يقول لها أن عليها المغادرة فورًا. لكنها لم تتحرك. كان الفضول يسيطر عليها بالكامل. مد الرجل يده فجأة وأخذ رمحها منها، ثم أشار مرة أخرى إلى الغابة، وكأنه يحاول إبعادها بالقوة. لكنها رفضت، وحاولت أن تشير له بأنها لن تذهب حتى تفهم. حينها، توقف عن الكلام، ونظر إليها بحدة قبل أن يجلس على الأرض بالقرب من الشجرة، ويرسم بيده على التراب. رسم خطوطًا متشابكة تشبه تلك النقوش على الحجارة، ثم رسم شكلاً دائريًا كبيرًا. أشار إلى الشكل الدائري، ثم إلى السماء، قبل أن يضع يده على صدره وكأنه يشير إلى شيء مقدس أو مخيف. هيرمان لم تفهم المعنى الكامل، لكنها شعرت بأن هناك خطورة هائلة في البقاء هنا. ومع ذلك، شيء ما في داخلها كان يدفعها للاستمرار. بعد أن انتهى الرجل من الرسم، نهض وبدأ يمشي مبتعدًا، لكنه توقف للحظة، وألقى نظرة أخيرة عليها. كانت النظرة مزيجًا من التحذير والشفقة، ثم اختفى بين الأشجار، تاركًا هيرمان وحدها. كانت تعلم أنها على وشك الغوص في أعماق سر لم يكن من المفترض أن تكتشفه. شعرت وكأن الجزيرة بأكملها كانت تختبرها، تدفعها إلى اتخاذ قرارات يمكن أن تغير مصيرها إلى الأبد. استجمعت شجاعتها، وعادت إلى القرية وهي تفكر فيما رأته وما ينتظرها. أدركت أن هذه الجزيرة ليست مجرد مكان معزول، بل كيان حي يحمل ذاكرة قديمة وقوة مخفية. عادت هيرمان إلى القرية في صمت، وكل خطوة كانت تضاف إلى عبء أفكارها المتشابكة. كانت السماء قد أظلمت بشكل كامل الآن، والريح حملت معها رائحة البحر المملوءة بالملح، لكن ذلك لم يهدئ من توتر أعصابها. كل شيء في الجزيرة كان يبدو وكأنه يراقبها، يختبر قوتها وصبرها. عندما اقتربت من الكوخ، شعرت بنظرات العديد من أفراد القرية تتابعها من بعيد. كان وجه "الأم" هو أول ما لمحته في الظلام. جلست بالقرب من النار، عيونها مليئة بالحزن، لكنها كانت تنتظرها كما لو أنها تعرف أنها ستعود. لم تقل شيئًا عندما اقتربت هيرمان منها، فقط نظرت إليها بعيون مليئة بالأسئلة الصامتة. جلست هيرمان بجانبها، دون أن تنطق بكلمة. لم يكن لديها إجابات بعد. كانت تفكر في كل ما رأته في الغابة، في الشجرة الضخمة، في الرموز المضيئة، وفي الرجل الذي اختفى فجأة كما لو أنه كان جزءًا من الحلم. كان كل شيء ضبابيًا، غير واضح، لكن شعورًا عميقًا في قلبها كان يخبرها أن ما كانت تواجهه أكبر من أن تُحلل ببساطة. "الأم" كانت تراقبها لفترة طويلة، ثم ابتسمت ابتسامة حزينة، وكأنها تفهم تمامًا ما تمر به هيرمان. أخيرًا، تحدثت بصوت منخفض، كما لو كانت تخشى أن تسمعها الجزيرة نفسها: "لقد بدأ الأمر. لن يكون لديك خيار سوى المضي قدماً." لم تستطع هيرمان أن تجيب. كان الصوت في رأسها يزداد قوة، يشدها نحو شيء بعيد في أعماق الغابة، لكن في الوقت نفسه كانت تعي تمامًا أن هناك خطرًا في متابعتها. لم تكن الجزيرة مجرد مكان؛ كانت عبارة عن شبكة من الروابط الخفية، شيء أعمق من الطبيعة والإنسان. وأثناء جلوسها، أخذت تفكر في تلك الهمسات التي كانت تتردد في عقلها. الكلمات التي لم تفهمها تمامًا، لكنها كانت تشير إلى شيء أكبر، شيء قد يتعلق بماضي الجزيرة وحاضرها المظلم. ولكن مع كل تفكير، كان قلبها يزداد إصرارًا على أن تكتشف الحقيقة. هكذا، بينما كانت النار تشتعل بجانبها، وأعين القرية تراقبها في صمت، أدركت هيرمان أن هذه الجزيرة كانت على وشك أن تكشف لها أسرارها. ولكن هل كانت مستعدة لمواجهة ما سيكتشفه عقله وقلبها؟ كان السؤال الذي يؤرقها، لكن الجواب كان واضحًا في أعماقها: لا عودة بعد الآن. ثم، في اللحظة التي شعرت فيها أنها قد تكون قادرة على التفكير بوضوح، همست الرياح عبر الأشجار، جالبة معها شيئًا جديدًا، ربما تحذيرًا آخر. في تلك اللحظة، شعرت هيرمان بشيء آخر: حضور قديم، حكيم، يراقبها، ينتظر أن تكون مستعدة لما سيأتي. وهكذا، انتهى هذا الفصل، لكن الجزيرة لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.
ليها جزء ثاني ولا لا .. هى شبيهه بالفانتازيا اكتر
ردحذف