رواية جزيرة الظل

جزيرة الظل

2025, أدهم محمد

البقاء

مجانا

هيرمان، شابة تجد نفسها وحيدة على جزيرة نائية في أمريكا الجنوبية بعد حادثة غامضة. يعيش على الجزيرة سكان بدائيون لا يعرفون شيئًا عن العالم الخارجي، لكنهم يحملون أسرارًا عميقة عن الأرض التي يعيشون عليها. مع مرور الوقت، تحاول هيرمان التكيف مع هذا العالم الجديد المليء بالتحديات، من أجل البقاء وكشف الغموض الذي يحيط بالجزيرة

هيرمان

شابة قوية الإرادة تجد نفسها على جزيرة مجهولة مليئة بالغموض والتحديات. تتطور من مجرد فتاة تسعى للبقاء إلى جزء من حياة القرية البدائية التي تسكنها.

كالاو

شاب من أهل القرية يتميز بجرأته وحمايته للقبيلة. يتعامل بحذر مع هيرمان في البداية لكنه يصبح أحد أبرز حلفائها.

الأم

مرأة مسنة من سكان القرية، تحمل الكثير من الحكمة والأسرار، وتلعب دور المرشد لهيرمان.
تم نسخ الرابط
روايه جزيرة الظل

 كانت الشمس حارقة، والرمال تحت قدميها تشبه الجمر. هيرمان لم تكن تعرف كيف انتهى بها الأمر هنا، على هذه الجزيرة المنعزلة، لكن ما كان واضحًا هو أن أحدًا لن يأتي لإنقاذها قريبًا. صوت الأمواج كان شديد القوة، يلامس أذنيها كأنه ينذرها بشيء أكبر.

كانت الملابس التي ترتديها ممزقة، والزوادة التي حملتها معها نفدت منذ أيام. حاولت أن تستجمع شجاعتها، تنظر إلى الأشجار العالية التي تحيط بها وكأنها جدار صد عظيم. شعرت بأنها مراقبة، لكن لا أحد يظهر.

قضت أول يومين في محاولة البحث عن مياه عذبة، كانت الطبيعة هنا غريبة ومليئة بأصوات لم تعتد عليها. لكن هيرمان أدركت سريعًا أن الطبيعة قد تكون صديقة وعدواً في الوقت ذاته.

في اليوم الرابع، بينما كانت تبحث عن مأوى، ظهرت مجموعة من البشر، عيونهم فضولية، أجسادهم مزينة بالرسوم والوشوم التي تبدو وكأنها حكايات محفورة على الجلد. لم يعرفوا كيف يتحدثون معها، ولم تعرف كيف تفهمهم. لكنهم لم يبدوا عدائيين.

لم يكن لقاء هيرمان مع السكان الأصليين بسيطًا. وقفت في مكانها متصلبة، عينها تراقبهم بحذر، بينما كان قلبها يخفق كطبول حرب. لم تكن تعرف نواياهم، هل هم أصدقاء أم أعداء؟ كانوا يحدقون بها بدهشة، وكأنها شيء من عالم آخر. أحدهم تقدم نحوها، رجل طويل القامة ذو شعر كثيف يتدلى على كتفيه، يحمل في يده رمحًا مزينًا بريش ملون.

أرادت أن تقول شيئًا، أي شيء يكسر هذا الصمت الثقيل، لكن الكلمات علقت في حلقها. رفعت يديها ببطء، محاولة أن تظهر أنها لا تحمل أي خطر. بدا أنهم فهموا الإشارة، فتراجعوا قليلاً، لكنهم لم يزيلوا أعينهم عنها.

بعد دقائق بدت وكأنها ساعات، قرروا اصطحابها معهم. لم تعرف كيف تتصرف؛ هل تذهب معهم أم تبقى وحدها؟ لم تكن تملك خيارًا حقيقيًا. الوحدة هنا أشبه بالموت البطيء. اتبعتهم بخطوات مترددة، بينما عقلها كان يدور في دوامة من الأسئلة.

مروا عبر غابة كثيفة، كانت الأشجار فيها ترتفع إلى السماء كأنها أبراج لا نهاية لها. الأصوات المحيطة بها كانت غريبة؛ زقزقة طيور لم تسمعها من قبل، صرير حشرات يصم الآذان، وحتى الرياح كانت تبدو وكأنها تحمل همسات غامضة.

وصلوا إلى قريتهم الصغيرة التي كانت تتوسطها مساحة مفتوحة أشبه بساحة تجمع. الأكواخ المصنوعة من أعواد الخيزران وأوراق النخيل كانت بسيطة لكنها متقنة. الأطفال يركضون حفاة على الأرض، والنساء يجلسن بجوار النار يعدن طعامًا تفوح منه رائحة غريبة، خليط من الدخان والتوابل التي لم تعرفها هيرمان من قبل.

اقتربت منها امرأة مسنة، ملامح وجهها تحمل آثار الزمن، لكنها بدت قوية كالصخور. تفحصتها بعينيها السوداوين اللامعتين، ثم أشارت إلى أحد الأكواخ، كأنها تدعوها للدخول. لم تكن هيرمان متأكدة مما يحدث، لكنها شعرت ببعض الطمأنينة.

داخل الكوخ، كان الجو حارًا وخانقًا، لكنه كان على الأقل مأمنًا من الرياح الباردة التي تهب ليلاً. جلسوا حولها في صمت، ثم بدأوا يتحدثون بلغتهم الغريبة. كانت الأصوات تبدو كأغنية قديمة، إيقاعها سريع ومليء بالوقفات، لكن هيرمان لم تفهم كلمة واحدة.

حاولت التواصل بالإشارة. وضعت يدها على صدرها وقالت: "هيرمان". كررت الكلمة ببطء، آملة أن يفهموا أنها تعرّف عن نفسها. ردت المرأة المسنة بابتسامة خفيفة، وكررت الكلمة بصعوبة: "ه... هير-مان".

كانت تلك بداية العلاقة بين هيرمان وهؤلاء السكان. لم يكن الأمر سهلاً؛ الطعام كان مختلفًا، البيئة معادية، والعادات والتقاليد كانت تبدو أحيانًا غير منطقية. على الرغم من ذلك، كانت هيرمان تمتلك ما يكفي من الإرادة لتتعلم.

في الأيام الأولى، تعلمت كيف تصطاد بوسائل بدائية. كانوا يصطحبونها معهم إلى النهر حيث كانوا يستخدمون رماحهم الخشبية لصيد الأسماك. في البداية، كانت تفشل في الإمساك بأي شيء، لكنها مع الوقت بدأت تتقن الحركات.

الطعام كان تحديًا آخر. كانوا يقدمون لها أطعمة لم ترها في حياتها: جذور مرة الطعم، فواكه غريبة الشكل، ولحوم مطهية بطريقة بدائية. في البداية، كانت تشعر بالغثيان، لكنها أدركت أن الجوع أقوى من النفور.

مع مرور الوقت، بدأت هيرمان تلاحظ تفاصيل حياتهم. النساء كن يحملن على عاتقهن معظم الأعمال اليومية، من إعداد الطعام إلى جمع الحطب. الرجال كانوا يقضون ساعات طويلة في الصيد أو الدفاع عن قريتهم من الحيوانات البرية. أما الأطفال، فكانوا يلهون بلا نهاية، يتعلمون من الطبيعة بدلاً من الكتب.



مع مرور الأسابيع، أصبحت هيرمان تدرك أن الحياة هنا ليست مجرد بقاء، بل هي توازن دقيق بين الإنسان والطبيعة. بدأت ترى الجمال في الأشياء الصغيرة التي كانت في البداية تبدو غريبة أو مرعبة. كل صباح، كانت تستيقظ على صوت الطيور الملونة التي تحلق فوق الغابة، تغني ألحانًا وكأنها تعزف سيمفونية يومية.

في أحد الأيام، بينما كانت تجلس قرب النهر تحاول غسل ملابسها المهترئة، سمعت صوتًا غريبًا خلفها. التفتت ببطء، لترى طفلاً صغيرًا من السكان الأصليين يراقبها بفضول. كان يحمل بين يديه قطعة خشب صغيرة محفورة بدقة، أشبه بتمثال صغير. مد يده نحوها وكأنه يقدمها كهدية.

ترددت للحظة، لكنها أخذت التمثال وابتسمت. "شكرًا..." همست، مع علمها أنه لن يفهم. لكن الطفل ابتسم بدوره، ثم جلس بجانبها وبدأ يرسم على الرمال بأصابعه الصغيرة.

في تلك اللحظة، شعرت هيرمان بشيء جديد: لم تكن وحيدة تمامًا. ربما لن تستطيع فهم لغتهم بالكامل، وربما ستظل غريبة بالنسبة لهم، لكن هناك رابط إنساني يتجاوز الكلمات.

الأيام التالية كانت مليئة بالاكتشافات. كانت تتعلم المزيد عن طريقة حياتهم، كيف يصنعون الأدوات من الحجارة والخشب، وكيف يستخدمون الأعشاب لعلاج الجروح والأمراض. كانت النساء تعلّمها بصبر كيف تُعد الخبز البدائي الذي يطهون على الحجارة الساخنة، وكيف تجمع الثمار دون أن تلمس النباتات السامة التي تشبهها.

في إحدى الليالي، بينما كانت تجلس قرب النار مع النساء، لاحظت أنهن يضعن عجينة طينية على وجوههن وأيديهن. سألت بإشارة بسيطة، فشرحت لها إحداهن أن الطين يحمي من لدغات الحشرات ويبرد الجلد في النهار. حاولت هيرمان ذلك بنفسها، وشعرت للمرة الأولى براحة بعد أيام من الحكة الناتجة عن الحشرات.

لكن الحياة لم تكن دائمًا سهلة. في أحد الأيام، وبينما كانت تساعد في جمع الماء من النهر، سمعت صرخات قادمة من القرية. عادت مسرعة لتجد الجميع في حالة استنفار. كان هناك حيوان بري كبير، يشبه النمر، يهاجم إحدى الأكواخ. الرجال كانوا يحاولون طرده بالرماح والصراخ، بينما النساء تجمعن لحماية الأطفال.

شعرت بالخوف يجتاحها، لكنها لاحظت أن الجميع كان يعمل كفريق واحد. الهجوم انتهى سريعًا عندما انسحب الحيوان إلى الغابة، لكن هيرمان أدركت أن الجزيرة ليست فقط مكانًا غريبًا، بل قد تكون خطيرة أيضًا.

في الليل، جلست مع المرأة المسنة التي كانت أشبه بزعيمة القرية. كانت تحمل معها حقيبة صغيرة مصنوعة من ألياف النباتات. فتحتها وأخرجت مجموعة من الحجارة الصغيرة والأعشاب المجففة، وبدأت تغني بصوت خافت. لم تفهم هيرمان الكلمات، لكنها شعرت بالهدوء.

بدأت هيرمان تدرك أنها بحاجة لتتعلم الدفاع عن نفسها. بدأت تراقب الرجال أثناء تدريباتهم على استخدام الرماح والأقواس البسيطة. في البداية، كانوا يضحكون عليها وهي تحاول تقليدهم، لكن مع الوقت، بدأوا يرشدونها. كان أحدهم يشرح لها بالإشارات كيفية الإمساك بالرمح بقوة، وآخر يُظهر لها الطريقة الصحيحة لتسديد الضربات.

كانت الأيام تمر، وكل يوم كانت هيرمان تصبح أقرب إلى هذه الأرض وأهلها. لم تكن مجرد ضيفة غريبة، بل أصبحت جزءًا صغيرًا من هذا النظام المعقد. تعلمت كيف تُميز بين الفواكه السامة والصالحة، كيف تبني مأوى صغيرًا من أغصان الشجر، وكيف تستخدم النار ليس فقط للطهي، بل أيضًا لإبعاد الحيوانات المفترسة.

في أحد الأيام، وبينما كانت تتجول بمفردها في الغابة، عثرت على شيء لم تتوقعه: شجرة ضخمة محفور على جذعها رموز غريبة، تشبه تلك التي رأتها في أكواخ القرية. شعرت بشيء من الرهبة، وكأن الشجرة تحمل سرًا قديمًا. قررت أن تسأل المسنة عنها عند عودتها.

عندما وصفت الشجرة ورموزها للمرأة المسنة، تغير وجهها. نظرت إليها بعينين تحملان مزيجًا من الحذر والاحترام. أمسكت بيدها وأشارت إلى قلبها، ثم رسمت علامة على الأرض باستخدام إصبعها، كأنها تحاول أن توصل فكرة أن الشجرة مقدسة أو تحمل رسالة من الأسلاف.

كانت فكرة أن الشجرة تحمل شيئًا مقدسًا غريبة على هيرمان، لكنها لم تستطع تجاهل الشعور الذي اجتاحها عندما رأتها. تلك النقوش بدت وكأنها لغة لم تكتب فقط للقراءة، بل لتحكي قصة. في الليلة التالية، وبينما كانت جالسة قرب النار، حاولت أن تقلد بعض الرموز على الرمال، علّها تفهم شيئًا.

المسنة رأت ما كانت تفعله، وجلست بجانبها. أخذت عصا صغيرة وبدأت ترسم رموزًا مشابهة، ثم أشارت إلى السماء والجبال. بعدها وضعت يدها على قلبها وابتسمت. فهمت هيرمان أن الرموز كانت جزءًا من تراثهم، ربما تمثل قصصهم، إيمانهم، أو حتى خريطة لحياتهم.

مع مرور الوقت، أصبحت هيرمان تتعلم أكثر من لغة الجسد والإشارات. لم تكن تتحدث لغتهم بعد، لكنهم بدأوا يعاملونها وكأنها واحدة منهم. المرأة المسنة، التي بدأت تناديها هيرمان بـ"الأم"، كانت تحكي لها قصصًا كل ليلة بصوت خافت، مستخدمة الإيماءات والرسومات على الرمال.

من بين القصص التي سمعتها، كانت هناك حكاية عن "شبح الغابة". كانوا يؤمنون بأن هناك كائنًا يعيش بين الأشجار، يحمي الأرض من الغرباء ويعاقب من يؤذي الطبيعة. لم تكن هيرمان تصدق الأمر في البداية، لكنها لاحظت كيف أن الجميع يتجنب مناطق معينة في الغابة، وكأنهم يخشون هذا الكائن الأسطوري.




في إحدى الليالي، وبينما كانت نائمة في كوخها الصغير الذي صنعته بنفسها، سمعت صوتًا غريبًا. كان الصوت يشبه الصفير، لكنه كان منتظمًا وغامضًا. فتحت عينيها ببطء، محاولة أن تميز مصدره. عندما خرجت من الكوخ، شعرت برياح باردة تضرب وجهها، رغم أن الطقس كان دافئًا طوال النهار.

توجهت نحو مصدر الصوت بحذر، ممسكة بقطعة خشب طويلة كانت قد أعدتها للدفاع عن نفسها. كلما اقتربت، ازداد الصوت وضوحًا، حتى وصلت إلى منطقة قريبة من الشجرة المقدسة التي رأتها من قبل. هناك، في الظلام، رأت ضوءًا خافتًا. لم يكن ضوء نار، بل أشبه بتوهج غريب ينبعث من الأرض.

تراجعت بسرعة، قلبها يخفق بعنف. لم تفهم ما رأت، لكنها شعرت أن عليها العودة إلى القرية وإخبار "الأم". عندما وصفت ما حدث، بدا الخوف واضحًا على وجه المرأة المسنة. أمسكت بيدها وأخذتها إلى مجموعة من الرجال. بعد نقاش طويل بالإشارات والكلمات التي لم تفهمها هيرمان، قرروا التحرك نحو الغابة في الصباح.


عند الفجر، اجتمع رجال القرية وهيرمان على أطراف الغابة. كان الجميع يحملون رماحهم وأقواسهم، بينما كانت هيرمان تحمل رمحًا صغيرًا صنعته بنفسها. شعرت بالخوف، لكنها أدركت أن هذا قد يكون اختبارًا لها، فرصة لتثبت أنها أصبحت واحدة منهم.

عندما وصلوا إلى المكان الذي رأت فيه الضوء، لم يكن هناك شيء. لكن الرجال كانوا متوترين، يتحركون بحذر وكأنهم يتوقعون هجومًا في أي لحظة. فجأة، انطلق صوت صرخة حادة من بين الأشجار. تجمد الجميع في أماكنهم.

خرج من الظلام حيوان غريب الشكل، يشبه الذئب لكنه أكبر حجمًا وأكثر شراسة. كانت عيناه تلمعان باللون الأحمر تحت ضوء الشمس. اندفع أحد الرجال نحو الحيوان برمحه، لكن الحيوان قفز عليه بسرعة، وأسقطه أرضًا.

في لحظة غريزية، رفعت هيرمان رمحها واندفعت نحو الحيوان. كانت تعرف أنها قد تموت، لكنها لم تستطع الوقوف ومشاهدة الرجل يُقتل أمامها. بطعنة قوية وغير متوقعة، أصابت الحيوان في عنقه. صرخ بصوت مدوٍ قبل أن يسقط على الأرض.

ساد الصمت للحظات، ثم بدأت الأصوات ترتفع. الرجال نظروا إليها بدهشة واحترام. لقد أنقذت أحدهم، وأثبتت أنها ليست غريبة ضعيفة، بل قادرة على مواجهة الخطر مثلهم.

بعد الحادثة، بدأت هيرمان تشعر بتغير حقيقي في علاقتها مع أهل القرية. كانوا يعاملونها كواحدة منهم الآن، يشاركونها الطعام والقصص، وحتى يدعونها للمشاركة في احتفالاتهم الليلية.

في إحدى الليالي، جلست بجانب النار مع الأطفال، تحكي لهم قصصًا من حياتها القديمة. بالطبع، لم يفهموا الكلمات، لكنها كانت تستخدم إشاراتها ورسمها على الرمال. كانوا يضحكون ويصفقون، وكأنهم يعيشون القصة معها.

لكن على الرغم من كل هذا التأقلم، كانت هناك لحظات تشعر فيها بالحنين إلى عالمها القديم. كانت تجلس أحيانًا وحدها على شاطئ البحر، تحدق في الأفق وتتساءل: هل سيأتي يوم تعود فيه إلى حياتها السابقة؟ أم أن هذه الجزيرة أصبحت قدرها الأبدي؟


بعد مرور أيام قليلة على الحادثة التي واجهت فيها هيرمان الحيوان المفترس، أصبحت حياتها في القرية تأخذ منحىً جديدًا. كان الرجال ينظرون إليها الآن باحترام، والنساء يبتسمن لها عندما تمر بجوارهن. حتى الأطفال كانوا يتبعونها أحيانًا، يقلدون حركاتها أو يحاولون الإمساك بيدها. شعرت بشيء من الانتماء، لكنه كان انتماءً هشًا، كأن خيطًا رفيعًا يربطها بهذا المكان وبأهل القرية.

لكن رغم كل هذا القبول، ظلت هناك أسئلة تحوم في ذهنها. ماذا كان ذلك الضوء الذي رأته في الغابة؟ ولماذا كانت المسنة تخاف من الشجرة والنقوش عليها؟

قررت أن تستغل هذا الوقت للتعلم أكثر، للتعمق في فهم طريقة حياتهم وأسرارهم. بدأت بمراقبة النساء أثناء تحضير الأعشاب الطبية، محاولة فهم تركيباتها وطرق استخدامها. كما كانت ترافق الرجال أحيانًا في رحلات الصيد، لا للصيد فقط، بل لفهم طبيعة الغابة أكثر.

في إحدى الأمسيات، وبينما كانت تجلس وحدها بالقرب من النهر، تتأمل انعكاس النجوم على سطح الماء، سمعت صوت خطوات تقترب منها. رفعت نظرها لترى "الأم" تقف خلفها، تحمل في يدها كيسًا صغيرًا. جلست بجانبها بصمت، ثم أخرجت من الكيس حجارة صغيرة وأعشاب مجففة.

وضعت "الأم" يدها على قلبها، ثم على رأس هيرمان، وكأنها تعطيها شيئًا أكثر من مجرد الأعشاب. حاولت أن تفهم المعنى وراء هذا التصرف، لكنه كان أشبه برسالة صامتة: إيمان أو حماية أو ربما توقع لشيء ما.

حين عادت هيرمان إلى كوخها تلك الليلة، نامت وهي تشعر بطمأنينة غريبة، لكنها كانت تعرف أن الجزيرة تحمل في طياتها المزيد من الأسرار، وأن القادم قد يكون أصعب وأكثر غموضًا.

---- يتبع في الفصل التالي ----

تعليقات

إرسال تعليق

authorX

مؤلفون تلقائي

نظام شراء